نددت دار الإفتاء المصرية وعلماء الأزهر بتجسيد شخصية النبي، صلي الله عليه وسلم، في الفيلم الإيراني الذي يجري تصويره حاليا، ويجسد شخصية الرسول في الطفولة، مؤكدين حرمة هذا العمل، وأنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال تجسيد الأنبياء، خاصة أن هناك فتاوي كثيرة تحرم هذا العمل الإجرامي تحت مسمي أعمال فنية.
وطالب علماء الأزهر الشريف، بالتصدي لهؤلاء الذين يبيحون تجسيد شخصيات الأنبياء، بغرض جمع الأموال الطائلة والشهرة والإعلامية من جراء هذه الأفعال المنافية للدين، وطالبوا بضرورة إتخاذ موقف حاسم ورادع تجاه هؤلاء الذين يتاجرون بالدين وتجسيد شخصية الأنبياء، محذرين من إنتشار هذه الظاهرة التي باتت تخرج علينا من وقت لآخر، تارة في تجسيد الأنبياء، وأخري في سب الأنبياء والتطاول علي الإسلام.
يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، إن تجسيد الأنبياء حرام شرعا، وقد حرم العلماء من قبل هذا العمل التشخيصي، سواء من الممثلين أو المنتجين للفيلم أو المصورين، وكل هؤلاء آثمين شرعا، بالإضافة إلي أن الترويج والدعاية لهذه الأفلام معصية لا يرضي الله عنها، وأيضا سيقع هذا الإثم علي كل من يشاهد مثل هذه الأفلام، ومن سيقوم بعرضها، وأقول كيف يقوم هذا الممثل بدور النبي محمد، صلي الله عليه وسلم، وهو النبي المختار المصطفي، وهذا الممثل يقوم بمثل هذا الدور، ثم بعد ذلك نجده في دور رئيس عصابة، أو قاتل أو ما يشبه ذلك، فهذا منهي عنه في الشرع، وإذا تم هذا العمل بالفعل ستكون هناك مقاضاة قانونية ضد منتجي وممثلي هذا الفيلم الذي يسيء للإسلام، ويجب علي الأمة الوقوف ضد من يتعرض بشيء من الأذي للصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين شرفهم الله بصحبة النبي صلي الله عليه وسلم، واختصهم بها دون غيرهم من الناس، وليس هناك مبرر لمن يدعي أن في هذا الفيلم تكريما للنبي أو ما شابه ذلك، لأن كتاب الله قد كفي ولم ينتقص من حق النبي شيئا، والعجيب أن ميزانية الفيلم الذي يسمي -طفولة محمد- بلغت50 مليون دولار -علي حد قول صحيفة الجارديان البريطانية- فهذه الأموال الباهظة ستكوي بها جباههم وجلودهم، لأنها تنفق في معصية الله ورسوله، فهذا الأمر مناف تماما لشرع الله، وإذا كان هذا العمل يتم في سرية تامة، فإن الله كشف أمرهم قبل إتمامه.
¤ الأخسرين أعمالا:
وفي سياق متصل يؤكد الدكتور سعيد عامر أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، أن الفقهاء أجمعوا علي عدم جواز تمثيل شخصيات الأنبياء جميعا، لما لهم من المكانة والإجلال والقدوة، وناقش مجمع البحوث الإسلامية في مارس1972 هذه المسألة وقرر تحريم ذلك، وهذا بالإجماع، ومن المعلوم شرعا أن ما أدي إلي الحرام فهو حرام شرعا، فكل ما ينفق علي هذا التمثيل سواء في السينما أو التلفاز أو الراديو أو غير ذلك فهو حرام، ولا يجوز للمسلم أن يشاهد أو يستمع إلي هذه الأفلام أو التمثيليات حتي لا يكون آثما، وأي مال كان من جراء هذا فهو مال حرام.
وناشد القائمين علي ذلك الإنتهاء عنه والبعد عن هذا العمل المحرم، وليتقوا الله في أنبياء الله، وليقدموا إلي الناس ما ينفعهم بالضوابط الشرعية، وفق منهج الله تعالي، حتي يتقبل الله منهم أعمالهم، قال تعالي: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا*الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا*أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا*ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} [الكهف: 103-106]، وعلي الأمة الإسلامية وهي أمة واحدة كما بين ربنا في القرآن أن يقفوا صفا واحدا في منع هذا الإجرام في حق أنبياء الله، وأن يقدروا النبي حق قدره صلي الله عليه وسلم، وأن يؤدبوا كل من يسيء الأدب إلي الأنبياء.
¤ تجسيد الصحابة:
وفي سياق متصل أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية، وأكدت أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية، علي حرمة ما تقوم به بعض شركات الإنتاج السينمائي من إخراج أفلام ومسلسلات يجسد فيها شخص النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وتشمل هذه الحرمة تجسيده، هو أو أي واحد من الأنبياء، في أي فترة زمنية من عمرهم المبارك، مراعاة لعصمتهم ومكانتهم، فهم أفضل البشر علي الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثل أو يتمثل به إنسان، بل إن الشرع نزه صورهم أن يتمثل بها حتي الشيطان في المنام.
وأضافت اللجنة أن مما يؤكد حرمة هذا العمل أنه ينطوي علي مجموعة من المفاسد: مثل كونه ليس مطابقا لواقع حياة الأنبياء من أن أفعالهم تشريع، وأن التمثيل يعتمد علي الحبكة الدرامية مما يدخل في سيرتهم ما ليس منها، والمقرر أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح.
وهو ما ذهبت إليه المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
وأضافت: إن هذا كله يتسق مع كوننا نربأ بالشخصيات الدينية التي لها من الإجلال والإحترام أن تقع أسيرة رؤية فنية لشخصية الكاتب يفرضها فرضا علي المتلقي لها، بما يغير حتما من تخيل المتلقي لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدلها بالصورة الفنية المقدمة، مما يكون له أثره البالغ في تغيير صورة هذه الشخصيات، وفرض رؤية الكاتب فرضا.
ورأت اللجنة أن من يحاولون نزع القداسة عن الأنبياء والشخصيات الدينية الأخري ذات الإجلال والتقدير، تقليدا منهم لمسار الفكر الذي نزع القداسة عن كل شيء تقريبا -بناء علي نموذجه المعرفي- يرون بناء علي ذلك أن عدم نزع تلك القداسة يجعل الكاتب ناقص الرؤية ومجانبا للحقيقة، وفكرة نزع القداسة هذه مرفوضة تماما في الإسلام، سواء في منطلقاتها الفكرية، أو في تطبيقاتها العملية.
تحقيق: حسني كمال وإبراهيم عمران.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.